صلاة التراويح والقيام والاعتكاف في رمضان في ظل فيروس كورونا

اضغط هنا للتنزيل

وقد صدر بتاريخ 13 إبريل 2020م والموافق 20 شعبان 1441هـ

ورد سؤال لمجلس الأئمة بشأن كيفية صلاة التراويح في رمضان، وجاء الجواب على النحو التالي:

مقدمة:

صلاة التراويح وقيام رمضان سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أفضل العبادات والقربات في شهر رمضان. قال الحافظ ابن رجب: "واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك - أي على ترك الجماعة في التراويح- والسبب مخافة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفرض على المسلمين.

ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه. 

حكم الاقتداء بالإمام عن طريق الأجهزة المرئية والمسموعة كالفيسبوك وغيرها

ترى لجنة الفتوى التابعة لمجلس الأئمة في منطقة نيويورك وما حولها: أنه لا يجوز متابعة الإمام في التراويح وصلاة الجماعة عن طريق الأجهزة المرئية والمسموعة كالمذياع والتلفزيون والتلفون وغيرها عن بعد.

وهو الرأي المعتمد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الفقهي في أمريكا لشمالية وكندا والمجلس الأوروبي للفقه والإفتاء والبحوث ومجمع فقهاء أمريكا ومجالس الفتوى في البلاد الإسلامية.

وذلك لأن صلاة الجماعة يقصد بها الاجتماع، فلا بد أن تكون في موضع واحد وإن اتسع المكان وتعددت حجراته، أو تتصل الصفوف بعضها ببعض، ولا تجوز الصلاة تلك، وذلك لعدم حصول المقصود بهذا من صلاة الجماعة، ولو جاز ذلك لأمكن كل واحد أن يصلي في بيته الصلوات الخمس ولتعطلت الجمعة والجماعة، وهذا مناف لمشروعية صلاة الجمعة والجماعة، وقد أصدر المجلس فتوى بهذا الشأن سابقا في حكم صلاة الجمعة خلف المذياع وأشباهه.

وإذا كانت الأمة قد داومت على صلاة التراويح منذ عهد الفاروق رضي الله عن، فإننا وقد تعذر علينا إقامة التراويح في المسجد؛ فنعود إلى الأصل، فتصلى جماعة في البيت مع الأهل والأولاد والأجر سواء، بل ربما يكون في البيت أعظم. لأن الأصل في صلاة النوافل والأفضل فيها أن تصلى في البيوت.

روى الشيخان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً). 

وفي الصحيحين أيضا عن زيدِ بنِ ثابتٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (صلُّوا أيُّها الناسُ في بُيوتِكم؛ فإنَّ أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيتِه إلَّا الصلاةَ المكتوبةَ). 

ولما سئلت أمنا عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أجابت كما عند مسلم: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في بيتي أربعًا قبل الظُّهرِ، ثم يخرُجُ فيُصلِّي بالناسِ، ثم يدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، وكان يُصلِّي بالناسِ المغربَ، ثم يدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، ويُصلِّي بالناسِ العِشاءَ، ثم يَدخُلُ بيتي فيُصلِّي رَكعتينِ). 

وأما بالنسبة لصلاة التراويح في ظرف فيروس كورونا والوباء، فيرجع إلى أصل أن الأفضل في النافلة أن تصلى في البيوت، روى البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة قال: حسبت أنه قال - من حصير - في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلَّى بصلاته ناسٌ من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).

والحكمة من ذلك أن تحل البركة على البيوت، ويكون فيها اجتماع أهل البيت على الطاعة، وتعليم الأهل والأولاد الصلاة والعبادة، روى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً). 

وقد دلت الأدلة السابقة وغيرها على أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام ... (فيض القدير 1/418 والمغني 1/442). 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قيام الليل في كل ليلة في بيته، وكان يقوم رمضان في بيته أيضا، ولم يصلها في المسجد إلا مرات قليلة، روى الشيخان عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ ذاتَ لَيْلَةٍ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجالٌ بصَلاتِهِ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فاجْتَمع أكْثَرُ منهمْ، فَصَلَّوْا معهُ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّوْا بصَلاتِهِ، فَلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عن أهْلِهِ حتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قالَ: (أمَّا بَعْدُ، فإنَّه لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ علَيْكُم، فَتَعْجِزُوا عَنْها).

والذي جمع الناس عليها في المسجد هو سيدنا عمر رضي الله عنه وموافقة الصحابة، فقال عبد الرحمن بن عبد القاري: "خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرّهط، فقال: “والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: عمر، نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله". 

ولذلك نرى أن تصلى صلاة التراويح في البيوت جماعة، ويؤمهم اقرأهم لكتاب الله تعالى، ولا حاجة للصلاة عن طريق الأجهزة والوسائل المرئية والمسموعة لعدم اتحاد المكان.

والخلاصة: فنظرا للأحوال والظروف الخاصة بسبب وباء فيروس كورونا وضرورة إغلاق المساجد فإن صلاة التراويح ستكون في البيوت، ونحث أهل البيت الواحد أن يصلوا التراويح جماعة في البيت، مع أخذ التدابير والاحتياطات اللازمة، ويؤمهم أقرأهم لكتاب الله.

ويمكن أن يكون بنفس طريقة المساجد، بقراءة جزء كل ليلة أو نصف جزء بحسب القدرة والإمكان، ويمكن أن يكون كما ذكرنا قراءة من مصحف، ويجوز قيام الليل قائما وقاعدا ولو مع القدرة على القيام.

هذا وقد صدرت هذه الفتوى عن مجلس الفتوى لمجلس الأئمة لمنطقة نيويورك ونيوجيرسي وما حولهما بأغلبية الأعضاء، والله نسأل أن يجمع الأمة على كل خير وأن يوحد كلمتها...

 وقد صدر بتاريخ 13 إبريل 2020م والموافق 20 شعبان 1441هـ

Previous
Previous

حرمة حرق جثة الميت بسبب الكورونا

Next
Next

بشأن تغسيل الميت الذي مات بمرض فيروس كورونا والصلاة عليه