حكم اتباع إمام عن طريق التلفاز أو الانترنت أو الفيسبوك عن بعد

اضغط هنا للتنزيل

أخذت هذه الفتوى بتاريخ 26 مارس 2020م الموافق: 2 شعبان 1419هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فإن من رحمة الله تعالى أن جعل الشريعة تراعي مصالح الناس جميعا في الدنيا والآخرة، كما أنها تراعي ظروفهم وأحوالهم العادية والاستثنائية. فمن أهم خصائصها ومقاصدها رفع الحرج ودفع المشقة، يقول الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت بالحنيفية السمحة). وقد استقر عند الفقهاء أن المشقة تجلب التيسير، وأن الأمر إذا ضاق اتسع.

ولا شك أننا نعيش ظرفا خاصا حرجا بسبب وباء فيروس كورونا، والخطر الذي أحاط بالناس، وسرعة انتشاره وخطره.

وقد أفتى المجلس سابقا بعدم صلاة الجماعة والجمعة في المساجد حفظا لصحة الناس وحياتهم ودفعا لانتشار المرض وآثاره.

وقد اجتمعت لجنة الفتوى التابعة للمجلس وأكدت على الفتوى السابقة من وجوب الأخذ بالتدابير والاحتياطات الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، ورأت أن يصلي الناس في بيوتهم صلاة الظهر بدلا من صلاة الجمعة، وليس عليهم إثم ولا حرج في ذلك، ولا يتبعون إماما على أي طريق من طرق التواصل الاجتماعي كالفيسبوك أو الانستغرام أو السكايب أو التلفزيون، لعدم تحقق شرط الجماعة والجمعة ولعدم وجوبها عليهم. 

وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء المعاصرين، لأن صلاة الجمعة الأصل فيها أن تكون في المسجد أو ما في معناه بحسب الضرورة، استجابة لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذرو البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}. الجمعة: 9

والمعلوم أن صلاة الجمعة لا تسقط عن المكلفين بها إلا لعذر المرض أو الخوف كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كانت لديهم أعذار مانعة من صلاة الجمعة في المسجد فعليهم أن يصلوا الظهر بدلا من صلاة الجمعة لسقوط هذه الفريضة عنهم.

ويعذر في ترك الجمعة المريض والخائف على نفسه من العدوى كما هو الحال في فيروس كورونا والأمراض والمعدية الخطيرة.

والسبب في عدم القول بالصلاة خلف الوسائل السمعية والمرئية خارج المسجد وما حوله أن اجتماع المأموم بالإمام غير حاصل، والجماعة سُميت بهذا الاسم لاجتماع الإمام مع المأموم. والحكمة المبتغاة من صلاة الجماعة هي اجتماع المسلمين في المسجد فإن الصلاة خلف الامام عن طريق المذياع لا تلتقي مع مشروعية الجماعة في الصلاة.

والعبادات الأصل فيها الدليل والتوقف، وقد شرعت فيها الأحكام العادية والاستثنائية والرخص، ولا ينبغي تشريع رخص جديدة مع وجود رخص مشروعة أصلا. والعبادات ومنها صلاة الجمعة عبادة لها شروط لصحتها وشروط لوجوبها، لأن الشريعة السمحاء عذرت أصحاب الأعذار عند عدم توفر شروط الوجوب، وشرعت لهم الرخص عند عدم القدرة على أدائها، ولم توجب عليهم إلا ما أوجبته وشرعته لهم، والقاعدة تقول: البدل يقوم مقام الأصل وحكمه حكم الأصل، وإذا تعذر الأصل يُصار إلى البدل، فالظهر يقوم مقام الجمعة لتعذرها بسبب الخوف، وحكم الظهر حكم الجمعة لأنه بدلها.

وأيضا ففي حالة عدم القدرة على صلاة الجمعة فيجب الذهاب إلى صلاة الظهر وليس عليهم صلاة جمعة والأجر متحصل بذلك.  

والذي يخشاه العلماء أن يؤول قول من قال بجواز اتباع الأجهزة المسموعة والمرئية إلى تعطيل صلاة الجمعة وإبطال النصوص التي توجب السعي إلى صلاة الجمعة، وسيؤدي ذلك تعطيل صلاة الجماعة عامة في المساجد، لأنه قد تقرر في السنة أن تصلى صلاة الجمعة في المساجد مع جماعة المسلمين، وأن الأصل في المسلمين إجابة النداء والحرص على صلاة الجماعة في المساجد ما أمكن.

وأما قول من قال بجواز متابعة الأجهزة المسموعة والمرئية والاعتماد على أنها فتوى بسبب الظروف ولضرورة فيروس كورونا، فالجواب أنه لا ضرورة مع وجود رخصة شرعية في عدم الحضور أصلا وصلاة الظهر بدلا عنها.

ولا مانع شرعا من سماع الخطب أو صلاة الجمعة عن طريق الأجهزة المسموعة أو المرئية وفي ذلك أجر سماع الدروس والمحاضرات وطلب العلم، لكنها لا تعتبر في حقهم خطبة جمعة، وعليهم بعد سماعها صلاة أربع ركعات ظهرا وليس ركعتين جمعة. 

والأصل اتصال الصفوف ما أمكن وعدم انقطاعها، ولقد نهى النبي النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة المنفرد خلف الصف في المسجد لتحصيل أجر الجماعة وأمر بإعادتها، فكيف بالصلاة مع الانفصال وافتراق المكان. 

ولا بد من التأكيد على أن المسألة هذه تختلف عما تم الاتفاق عليه من جواز الصلاة في المسجد الواحد وساحاته وحجراته وما حوله عن طريق مكبرات الصوت وأجهزة توصيل الصوت لتحقق وحدة المكان والاجتماع والاقتداء والاتباع بسبب ضرورة المكان والزحام ولو اتسع المكان. كما لا علاقة لها بفتوى الحرم المكي دون غيره للزحام الشديد وظروفه الخاصة. 

وأما صلاة الصلوات الخمس جماعة فعلى الراجح أن سنة مؤكدة على المسلم الذكر القادر أن يحرص عليها في المساجد، وبالاتفاق فإنه يمكن أداؤها للعذر في البيوت بحسب القدرة جماعة وفرادى، وأما النوافل فصلاتها في البيت أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). رواه البخاري. ويقول صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً). متفق عليه

وقد ذهب الشيخ الغماري رحمه الله تعالى إلى جواز الصلاة خلف المذياع في رسالة له قديمة، وخالفه عامة أهل العلم آنذاك منهم الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله، وابن باز، وابن عثيمين، وأبو زهرة، وحسنين مخلوف، وحسن مأمون، وجاد الحق على جاد الحق، ومحمد خاطر، وعلام نصار، ومصطفى الزرقا، واللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، وذكر الشيخ محمد أبو زهرة أنه عقدت ندوة في مجلة لواء الإسلام لمناقشة المسألة، وانتهت إلى بطلان تلك الصلاة، وذلك في شوال سنة 1375هـ الموافق مايو 1956م العدد 2 السنة 8.

وقد أخذ بذلك المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية وكندا ومجمع فقهاء أمريكا الشمالية والمجلس الأوروبي الفقهي ولجنة فتوى مجلس الأئمة في الولايات الثلاث نيويورك ونيوجيرسي وكنتكت وما حولها. والله أعلم

أخذت هذه الفتوى بتاريخ 26 مارس 2020م الموافق: 2 شعبان 1419هـ

Previous
Previous

بشأن تغسيل الميت الذي مات بمرض فيروس كورونا والصلاة عليه

Next
Next

The Ruling of Following the Imam Remotely via Television, Internet or Facebook