فتوى زكاة الفطر

اضغط هنا للتنزيل

 بسم الله الرحمن الرحيم     

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه

أما بعد

فإن زكاة الفطر تجب بالفطر في رمضان، وسميت بذلك لأنها تجب بالفطر من رمضان (غروب شمس آخر يوم من رمضان)، وقد شرعت طهره للصائم وطعمة للمساكين، روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ". 

وجمهور الفقهاء على أن صدقة الفطر فرض، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ». 

وتجب زكاة الفطر على كل مسلم صغيرا كان أم كبير، ذكرا كان أم أنثى، غنيا أم فقيرا ما دام يملك قوته وقوت من تلزمه نفقتهم ليلة العيد ويومه. روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ...». وقول جمهور الفقهاء أنه لا يشترط لزكاة الفطر النصاب، وهو وإن كان فقيرا إلا أن صدقته تعد من أفضل الصدقات، روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "جُهْدُ الْمُقِلِّ".  

وتؤدى زكاة الفطر عن كل من تجب عليهم النفقة، ولها أسباب:

   القرابة: وهم كل قريب تجب النفقة عليه وهم الأولاد والأبوان إن كان ينفق عليهم.

الزوجية: فزكاة الفطر للمرأة واجبة على زوجها، وهذا مذهب الجمهور حتى وإن كانت غنية، ولو أخرجت عن نفسها كان حسنا.

ولا تجب الزكاة على الجنين ما لم يولد قبل غروب آخر أيام رمضان، وإن زكّى وليه عنه تطوعاً جاز، واستحب ذلك أحمد. 

وذكرت السنة أصنافا من الأطعمة التي تخرج منها الزكاة: (التمر والشعير والزبيب والأقط (اللبن المجفف) والقمح والذرة)، والصحيح أن هذه الأصناف ليست تعبدية وليست مقصودة لذاتها. وقد ذهب إلى جواز إخراج القيمة: عطاء وعمر بن عبد العزيز والنووي وأبو حنيفة والحسن وأبو إسحاق. وهذا القول هو الراجح لأسباب

   رُوي عند البيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ». وَقَالَ يُوسُفُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ"، والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام.

  هذا هو الأيسر بالنظر لعصرنا، وخاصة في المناطق الصناعية التي لا تعامل فيها إلا بالنقود.

شراء الحبوب وإعطاؤها للفقير إنما المستفيد منها هو التاجر لا الفقير. فقد يشترى صاحب الزكاة الحبوب من التاجر بـ (10) دولارات ثم يعطيها للفقير، فيبيعها الفقير بدوره لأنه في حاجه إلى النقود بـ (7) دولارات ربما أقل.

والعلماء على أن صدقة الفطر تخرج من غالب قوت الإنسان لا قوت البلد، ولكل واحد قوت غالب، وعند إخراج القيمة ينبغي أن نفرق بين الغني الواجد والفقير المسكين، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر من أصناف زكاة الفطر (التمر والزبيب)، والقيمة متفاوتة، لذا وجب التفاوت بين غني وفقير، فمن كان قوته لحم وأسماك ليس كمن قوته أرز وقمح، ومن كان قوته لحم في أيام معدودات ليس كمن قوته لحم و(كفيار)، أو يأكل في أغلى المطاعم و(المولات).

كما أنه تجوز الزيادة، فمن وسع سيخلف الله عليه، والله يقول: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، ويقول: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184]، وعند أبي داود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمن أراد الزيادة في زكاة المال: «ذَاكَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ».

وتجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان. وأجاز الشافعي خروج زكاة الفطر من أول شهر رمضان، وهو رأي وجيه، وبخاصة في وقتنا الحاضر، والذي يتولى فيه كثير من الهيئات والجمعيات جمع زكاة الفطر وتوزيعها.

والقول الراجح هو إخراج زكاة الفطر للفقراء دون غيرهم من الأصناف الثمانية، وفي حديث أبي داود: "زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ"، فالمطلوب إغناء هؤلاء، وهذا قول مالك ورجحه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

        والأصل أنها تنفق في البلد الذي يعيش فيها المسلم، لأنها أشبه بتنفيس عاجل، لكن يجوز أن تنقل إلى غير البلد الذي يقيم فيها المرء، إذا وجد سبب لذلك، مثل: 

  أن يكون هناك من هو أمس حاجة إليها لشدة فقر أو نزول بلاء.

   أن يكون الفقير من ذوي القربى، فهو أولى وله صدقة وصلة رحم. روى أحمد عن سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ ".

أن يكون هناك من هو أكثر ورعا وزهدا وبعدا عن مسألة الناس.

ولا يجوز تأخير صدقة الفطر عن صلاة العيد، ومن فعل ذلك متعمدا فهو آثم، ولكن يجب عليه إخراجها أيضا فهي لا تسقط بصلاة الناس العيد، روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ".

لذا فإن المجلس يهيب بالمسلمين أن يعجلوا بزكاة الفطر، وأن يجعلوها في مصرفها، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. 

 

Next
Next

صلاة العيد في ظل أزمة كورونا